شير إحصائيات اليونيسيف إلى أن هناك أكثر من خمسمائة مليون معاق في العالم . منهم 42 مليونا يعانون من إعاقة في البصر ، و70 مليوناً يعانون من إعاقة في السمع .
وقد يكون سبب تلك العاهات عوامل وراثية ، أو أمراضاً تصيب الأم أو الطفل ، أو نتيجة حوادث وكوارث أو أمراض أتت في مرحلة من مراحل العمر .
والأدباء مثل كل المخلوقات ، ألمت بهم العاهات ، فمنهم من تلقاها بالصبر ورحابة الصدر ، ومنهم من حزن وسالت دموعه ، ومنهم من سخر منها وتصدى لها . وفي كل هذا وذاك ، أوحت إليهم تلك الإصابات شعرا وفاضت أنفسهم بشعر نضحت حروفه بالحزن والمرارة ...
والحقيقة أن عاهة البصر شغلت أكبر حيز مما يمكن أن نسميه ( أدب العاهات ) . فهناك عدد كبير من الشعراء ممن أصيب بالعمى ونظم في عماه شعراً مؤثراً .
ومن المفارقات أن يصيب الجدري عدداً من الشعراء في سن الطفولة ويخلف عندهم العمى الذي يرزحون تحت وطأته بقية عمرهم .
فهذا أبو العلا المعري اعتل بالجدري في السنة الرابعة من عمره فعمي منه . وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة . ولزم بيته وسمى نفسه رهين المحبسين أي حبس نفسه في منزله وحبسه بصره بالعمى ولما مات وقف على قبره 84 شاعراً يرثونه .
يقول عن عماه :
إن يأخذ الله من عيني نورهما
ففي فؤادي وقلبي منهما نور
قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل
وفي فمي صارم بالقول مشهور
وممن أصيب بالجدري فعمي أبو البقاء العكبري . عالم النحو الشهير وصاحب كتاب ( إعراب القرآن ) و ( إعراب الحديث ) وكانت طريقته في التأليف أن يطلب ما صنف من الكتب في الموضوع ، فيقرأها عليه بعض تلاميذه ، ثم بملي من آرائه وتمحيصه وما علق في ذهنه ، ولذلك قيل عنه إنه ( تلميذ تلاميذه ) .
أما الإمام الشاطبي ، صاحب القصيدة المشهورة في القراءات المعروفة بـ ( الشاطبية ) فقد كان ضريراً وكان إذا ماقرئ عليه البخاري ومسلم والموطأ يصحح النسخ من حفظه .
ويروى أن الأمير الأديب أحمد بن المختار ( المتوفى سنة 548 هـ ) مات له ابن فبكى عليه حتى ذهبت إحدى عينيه ، ثم تلتها العين الأخرى ، فقال في عينيه :
كأنما آلى على نفسه
أن لا يرى شملا لاثنين
لم يكفه ما نال من مهجتي
حتى أصاب العين بالعين
والرسول صلى الله عليه وسلم يذكر من فقد عينيه بعظم الجزاء إذا ما صبر على بلواه فيقول : ( إن الله عز وجل قال : إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة ) يريد عينيه . رواه البخاري .
ومن الأدباء من كان أصم لا يسمع ومنهم قفطان النجفي ( المتوفى سنة 1293 هـ ) وكان من أشهر أدباء النجف وأحد علمائها في النحو والعروض . ورغم صممه كان يفهم المراد لأول وهلة من المتكلم ويفهم حركات شفتيه حتى أن المنشد كان يقرأ البيت فيسبقه إلى قافيته .
وهذا مصطفى صادق الرافعي أحد كبار الكتاب وأدباء العصر الحديث ولم ينل سوى الشهادة الابتدائية ، إذ مرض بعدها بالتيفوئيد ، وأصيب بصمم في أذنيه وحبسة في صوته ، وكان هذا سبباً يباعد بينه وبين الناس من ناحية ، ويحثه على البحث والمطالعة من ناحية أخرى .
ومن الأدباء والشعراء من أصيب بلثغة في نطقه ، أو حبسة في لسانه ، فهذا واصل بن عطاء كان أديباً بليغاً ، وأشير إلى بلاغته وقدرته على التعبير ، رغم كونه مصاباً بلثغة قبيحة ، كان معها يتحرج من النطق بحرف الراء ولكنه استطاع تجنب هذا الحرف فقال مثلاً ( الأعمى ) ولم يقل ( الضرير ) وقال ( الملحد ) ولم يقل ( الكافر ) .
وأما الشاعر الشهير أبو تمام . فيقال إن لقبه أبو تمام يعود لحبسة شديدة في لسانه .
ومنهم من أصيب بالعرج ومن أشهرهم أبو طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شاعراً وبطلاً من أبطال قريش عيرته بعض نسائه بالعرج فقال :
قالت عرجت فقد عرجت فما الذي
أنكرت من جلدي وحسن فعالي
وبعض الأدباء فقد طرفاً من أطرافه ، فتأثر بذلك وصاغ شعراً ، فهذا عبد الله بن سبرة الشاعر الفارس قد قطعت بعض أصابعه في معركة الجسر أثناء فتح العراق ، فقال يرثي أصابعه ..
يمنى يدي غدت مني مفارقة
أعزز علي بها إذ بان فانصدعا
فإن يكن أرطبون الروم قطعها
فقد تركت بها أوصاله قطعا
ويروى أن امرأة من جيرانه عبث بها عطار ، فلما أضجرها قالت : لو أن عبد الله بن سبرة بقربي ما طمعت في . فبلغه مقالتها وهو في غزوة في أرمينية ، فترك مركزه ، وقدم الشام وقتل الرجل ثم رجع إلى مكانه من غزاته .
وهذا رافع بن الأقطع أمير العرب بنواحي بغداد وكان شاعراً فارساً ( توفي عام 427 هـ ) عرف بالأقطع لفقده يده في إحدى الحروب ، فكان يلبس كفا يمسك به العنان ، ويقاتل فلا يثبت له أحد .
وهذا حياض بن الأعور الشاعر الإسلامي قطعت رجله يوم اليرموك فآلمه ذلك كثيراً وبكاها شعراً صادقاً ، ومن شعره يخاطب فرسه بعد أن قطعت رجله :
أقدم " حذام " أيها الأساوره
ولا تغرنك رجل نادره
أنا القشيري أخو المهاجره
أضرب بالسيف رؤوس الكافره
نسأل الله لكم ولنا العافية ، فما سئل الله شيئاً أحب من ذلك ..
منقوووووووول