يعترض بعض علماء المسلمين على موضوع الإعجاز العلمي والإعجاز العددي، فما هي أسباب ذلك، وكيف نتعامل مع هذه القضية؟....
إن الذين ينتقدون الإعجاز العلمي لديهم مشكلة في فهم هذا العلم، ويمكن تصنيف العلماء الذين يرفضون فكرة الإعجاز العلمي إلى صنفين:
1- علماء مسلمون يقتصر اختصاصهم على علوم الشريعة، ولذلك هم لم يتعمقوا في الحقائق العلمية وليس لديهم قدرة على فهم الكثير من حقائق الإعجاز العلمي فهماً علمياً، ولذلك يجدون الطريق الأسهل في عدم قبولهم لهذه الحقائق.
2- علماء تخصصوا في العلوم الكونية أو الطبية أو غيرها من العلوم التجريبية، وهؤلاء لديهم مشكلة أيضاً وهي أنهم لا يستطيعون أن يدركوا أبعاد النص القرآني، ويعتبرون أن القرآن ليس كتاب علوم بل هو وحي إلهي ودستور سماوي ويحوي إشارات علمية فقط.
لو كان الإعجاز العلمي هو تحميل للنصوص القرآنية غير ما تحتمله من التفاسير، إذن يمكننا أن نحمل أي نص من النصوص البشرية أيضاً غير ما يحتمل من المعاني!
ولكن هل يوجد كتاب واحد في العالم يمكن أن نفسره ونفهمه مهما تطورت العلوم ومهما تغيرت الأفهام والعقول؟ لو جئنا بكتاب لأرسطو مثلاً وهو من أعظم علماء عصره ومهما حاولنا أن نفهم ما فيه على ضوء العلم المعاصر فلن نتمكن من ذلك، لأن هذا الكتاب ممزوج بخرافات وأساطير عصره.
يقول أرسطو في كتبه "إن الأرض ثابتة لا تتحرك"، والسؤال: مهما حاولنا فلن نتمكن من تأويل هذا النص حيث ثبت يقيناً أن كل شيء في الكون يتحرك بحركة محددة ومنظمة.
ولو جئنا إلى القرآن فلن نجد ولا آية واحدة تتحدث عن أي شيء ثابت في الكون، بل نجد آية تقول: ( وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) [يس: 40]. وهذه حقيقة كونية سبق القرآن إلى ذكرها تتوافق وتتطابق مئة بالمئة مع المكتشفات الحديثة.
هنالك ادعاء يتبناه بعض العلماء وهو أن الحقيقة العلمية تتغير مع تطور العلم، بينما القرآن يمثل حقيقة ثابتة لا تتبدل، فكيف نفسر الثابت بالمتغير؟ وماذا يحدث لو فسرنا الآية وفق معلومات عصرنا ثم تغيرت هذه المعلومات بعد سنوات، ألا نكون قد أوقعنا أنفسنا في خطأ جسيم؟
وسؤالي: لماذا طلب منا القرآن أن نتدبر القرآن؟ ولماذا يتحدث القرآن في أكثر من ألف آية عن حقائق علمية وكونية؟ ألا يعني التدبر أن نستنبط دلالات جديدة لهذه الآيات؟ وإذا كان التدبر يقتصر على ما فهمه الصحابة والتابعون إذن أين عجائب القرآن التي لا تنقضي والتي حدثنا عنها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؟
وإذا صدرت بعض المبالغات من أناس بحثوا في الإعجاز العلمي وأخطأوا، فهل يعني ذلك أن الإعجاز العلمي غير صحيح؟
لقد جلستُ ذات مرة أمام شاشة التلفزيون وقد بدأ أحد العلماء الكبار ينتقد الإعجاز العددي لما يقرب من الساعة، وتابعت أقواله بلهفة بالغة عسى أن أستفيد شيئاً مما قاله، ولكنه لم يقدم أي شيء سوى رفضه لفكرة لم يفهمها أصلاً!!
يقول هذا العالم إن الإعجاز العددي غير صحيح، ويستشهد بالأخطاء التي قدمها رشاد خليفة في بحثه "عليها تسعة عشر"، ثم يقول: لو كان هذا العلم نافعاً لانتفع به رشاد خليفة! ويتابع قوله: إنه لا فائدة من دراسة ما يسمى بالإعجاز العددي، بل إنه يذهب إلى أبعد من ذلك فيقول: إن الإعجاز العددي يبعد المؤمن عن كتاب الله وفهم معانيه، والأعجب من ذلك يحرّم قراءة كتب الإعجاز العددي!!
ونحن ليس لدينا مشكلة مع من ينتقد هذا العلم، ولكن بشرط أن يقدم البرهان العلمي على ذلك، فالله تعالى يقول: ( قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) [البقرة: 111]. وللأسف لم يقدم هذا العالم أي برهان أو حجة سوى الأخطاء التي قرأها في بعض كتب الإعجاز العددي.
ونحن نقر بأن هنالك الكثير من الأخطاء التي ارتكبها بعض الباحثين في علم الإعجاز العددي، ولكن هل نجعل من هذه الأخطاء حجة على القرآن ونقول إنه لا يحوي معجزة رقمية تخاطب علماء عصرنا هذا، عصر التكنولوجيا الرقمية؟
القرآن ومعجزاته وأسراره بريئون من أخطائنا، فإذا جاء ألف باحث وقدموا أبحاثاً خاطئة في الإعجاز اللغوي للقرآن، فهل يعني ذلك أن الإعجاز اللغوي غير صحيح أو غير موجود؟ ولا زلت أكرر السؤال الذي لم أجد أي إجابة عنه حتى الآن: ما هو المانع أن يحوي القرآن معجزة رقمية مذهلة تكون برهاناً مادياً ملموساً على إعجازه في عصرنا هذا؟؟
إذن لماذا يرفض بعض علمائنا فكرة الإعجاز العددي أساساً، أليس الأفضل أن يشجعوا أهل الاختصاص الموثوقين في دينهم وأمانتهم على البحث عن المعجزة العددية الصحيحة؟ أليس من الواجب علينا عندما نرى الأخطاء الكثيرة في بعض أبحاث الإعجاز العددي أن نسارع إلى البحث عن الإعجاز العددي الصحيح، بدلاً من أن نرفض الفكرة برمتها؟
وسؤالي الآن: هل يمكن لإنسان لم يقرأ شيئاً عن الأدب أن يصبح ناقداً أدبياً؟ فكيف يأتي من لم يبحر في علوم الرياضيات ولم يجلس ليلة واحدة في تأمل التناسقات الرقمية الغزيرة التي يزخر بها كتاب الله تعالى، كيف يمكن له أن يقول إن القرآن غير معجز من الناحية الرقمية؟
وهل أحاط هذا العالم بكل معجزات القرآن حتى يقرر أنه لا يحوي معجزة عددية؟ هل أطلعه الله على كل علوم كتابه حتى يجزم بأن القرآن لا يحتاج لمعجزة رقمية تثبت أنه كتاب الله؟
يعتقد بعض العلماء أن على المسلمين الاهتمام بقضايا عصرهم وأن يتقدموا في المجال العلمي بدلاً من أن يجلسوا وينتظروا الغرب حتى يكتشف الحقائق، ثم يقولون إن القرآن قد تحدث عنها قبل أربعة عشر قرناً.
وعندما أتأمل هذا الاعتقاد أتساءل: ما هو الضرر من دراسة معجزات القرآن، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول عن القرآن: (ولا تنقضي عجائبه)؟ لقد كان المسلمون الأوائل لديهم قضايا ومشاكل كثيرة، ولكن ذلك لم يمنعهم من دراسة إعجاز القرآن وعلومه، بل كان ذلك سبباً في هذا التراث الكبير من الكتب والمؤلفات.
وأخيراً فإنني أوجه نداءً لعلمائنا الأجلاء أن يشجعوا الناس على تأمل معجزات القرآن العلمية والعددية لنخرج بجيل يبني إيمانه على أساس علمي وهذا الجيل سيكون هو الأمل لهذه الأمة، لأن الغرب قد تفوّق علينا بشكل كبير في المجال التكنولوجي والعلمي، ونحن إذا سرنا على خطاهم سنظل متخلفين عنهم بمئات السنين، لذلك الأفضل أن نستخرج عجائب القرآن بأنفسنا ونخرج ما فيه من حقائق علمية يمكننا أن نسبق بها الغرب، وهذا ليس خيالاً علمياً ولكنها حقيقة ينبغي علينا أن ندركها.
فالقرآن يحوي أسرار الكون وفيه أسرار الأرض والبحار والجبال والنبات وفيه أسرار الشفاء، ولكن الأمر يحتاج فقط لمن يجلس مع هذا الكتاب العظيم وينفق وقته وحياته في تدبر وتأمل واستخراج هذه العجائب وتطبيقها عملياً.
نسأل الله تعالى أن نكون من الذين قال فيهم: ( وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ * فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ) [آل عمران: 191-195].