السلام عليكم اخوتي في الله
الحوار منقول للاستافدة به ان شاء الله
الشيخ رائد صلاح في حوار شامل مع "فلسطينيو 48"
حامد إغبارية
نبدأ من النهاية ؛ حكم بالسجن تسعة أشهر وملفات في الانتظار وملاحقات ولوائح اتهام ضد قيادات.. ما الذي تريده المؤسسة الإسرائيلية من فلسطينيي الداخل ؟ ومن الحركة الإسلامية بالذات ؟
الشيخ رائد : المؤسسة الإسرائيلية تريد أن تفرض علينا ,في حساباتها الفاشلة, أجواء من الإرهاب وتكميم الأفواه ومصادرة الثوابت , كي نكتفي بتحقيق حقوقنا اليومية الفردية التي تدور في إطار المأكل والمشرب والملبس والمسكن والوظيفة والسيارة الفاخرة فقط ,وما سوى ذلك فإن المؤسسة الإسرائيلية بهذه السلوكيات الحمقاء من طرفها تريد أن تقول لنا إن ما سوى ذلك حرام عليكم ويعاقب كل من يتجاوز الحدود ,أو بمفهوم آخر ؛حرام علينا الخوض في قضية القدس والأقصى المحتلين وحق شعبنا الفلسطيني وحق اللاجئين خاصة وأسرى الحرية ,فإذا خضنا فيها فالويل لنا!! هكذا هو الموقف المشؤوم الذي تريد أن تفرضه علينا المؤسسة الإسرائيلية. وحتى تعمق من التضييق علينا لا تزال تواصل - إلى جانب المطاردة السياسية - هدم البيوت ومصادرة الأرض وتدمير كثير من المقدسات .
بماذا يمكننا ان نصف سياسة المؤسسة الإسرائيلية ؟ بالغباء ؟ بالتهور ؟ بالعنصرية ؟ بالسير نحو هاوية سحيقة ؟ أم هي تعبير عن خوف , بل رعب لا تفصح عنه ؟
الشيخ رائد : شخصيا قلت أكثر من مرة ,وهذه قناعتي, إن المؤسسة الإسرائيلية اليوم وفق تصريحاتها وتصرفاتها أجزم أنه قد اجتمع عليها أمران: الغرور والغباء. ويوم أن يجتمع هذان الأمران فهذا يعني العجب العجاب والسلوك الأهوج غير المحسوب من قبل الشخص أو المؤسسة التي تتمثل بهذين المرضين . وما يعمق حدة هذين المرضين في المؤسسة الإسرائيلية شعورها بقوتها المتصاعدة بلا منافس في مقابل التفكك المتواصل عند الطرف الآخر, إن كان على الصعيد الفلسطيني أو العربي أو الأمة الإسلامية. ومما يزيد الطين بلة حالة الصمت الرسمية التي لا تزال تراوح مكانها كمثيرة للموقف الرسمي للحكومات الأجنبية شرقا وغربا .
فلسطينيو الداخل , كما يبدو هم رأس الحربة في الدفاع عن قضية القدس والمسجد الأقصى المبارك , وفي نفس الوقت هم الملف الذي لا يتحدث عنه أحد في حلول سياسية يتحدثون عنها ؟ لا فلسطينيا ولا عربيا ولا إسلاميا ؟أين نحن من هذا كله ؟
الشيخ رائد : نحن بحاجة لتأكيد أمرين لا يجوز التلعثم بهما : الأول أننا جزء من الواجب المطلوب لنصرة القدس والأقصى, ولأننا لسنا كل هذا الواجب , بمعنى أن الموقف الإسلامي والعربي والفلسطيني يجب أن يعرف أنه إن ظل على ما هو عليه الآن فقد تأتي مرحلة زمنية قادمة نفقد فيها القدس ومقدساتها وفي مقدمتها المسجد الأقصى .ولذلك المطلوب أحداث انقلاب جذري في الخطاب الإسلامي والعربي تحديدا, والمطلوب بناء على هذا الانقلاب المطلوب أن يقال على الصعيد الإسلامي والعربي صراحة إن الاحتلال الإسرائيلي ما دام يحتل القدس والأقصى فهو يعلن حربا مباشرة على كل ما هو إسلامي وعربي وفلسطيني ,وبناء عليه لا بد أن يكون هناك موقف إسلامي عربي يواجه مباشرة هذا الاحتلال للقدس والأقصى وبعيدا عن الموقف التقليدي الحالي الذي لا يزال يكتفي بدور المؤيد من بعيد وكأن القضية لا تعنيه مباشرة .
الأمر الثاني المطلوب منا هو أن نعلم أنه حتى يتحقق هذا الانقلاب في الخطاب الإسلامي والعربي لا بد لنا أن نتمسك بإستراتيجية الصمود مهما كان الثمن على أرضنا, في بيوتنا ومقدساتنا وفي دورنا المناصر للقدس والأقصى المحتلين . ومن ضمن ما قد نتعرض له من مضايقات قد تكون السجون وهذا يعني أنها ثمن رخيص قد ندفعه غير منكسرين ولا متلعثمين .
بصراحة ....هل نستطيع لوحدنا أن نواجه كل هذا الضغط الهائل ؟ ما الذي يمكننا أن نفعله أكثر ؟ ثم هل نحن في حالة من المقاومة أو الممانعة ولكنها من نوع آخر , مقاومة بالموقف والكلمة والتغيير داخل المجتمع الفلسطيني في الداخل , ليتمكن من مواصلة أداء المهمة التي فرضتها عليه الظروف ؟
الشيخ رائد : المطلوب منا كل ما ذكرت جنبا إلى جنب . فلا بد من مواصلة واجب بناء أنفسنا وبناء مجتمعنا في الداخل الفلسطيني من خلال رؤية شاملة لكلمة البناء , بحيث أن هذا البناء يحفظ عليه هويته وقيمه وتماسكه ويجنبه محاولات اختراقه في الصميم . وفي نفس الوقت نحن مطالبون أن نبدأ بإعطاء قضايانا الكثيرة البعد العالمي وعدم الاكتفاء بمخاطبة أنفسنا ومخاطبة المؤسسة الإسرائيلية فقط . فالدنيا واسعة والأحرار فيها كثيرون ولا أبالغ إذا قلت إن كل هؤلاء الأحرار بدأوا - تحديدا بعد حرب لبنان 2006 وبعد حرب غزة 2009- يدركون حقيقة المشروع الصهيوني وما يحمله من ويلات على كل العالم .
وماذا عن المستقبل ؟ مستقبل مجتمعنا عامة والحركة الإسلامية على وجه الخصوص؟
هناك من يريد أن يرى حركة إسلامية ضعيفة مهزوزة, خائفة ناكصة, تلعق الجراح وتتمنى الأمنيات, وأنا أتحدث عن عدة أطراف تسعى لتحقيق هذا الهدف المؤسسة الإسرائيلية, جهات في الداخل الفلسطيني, وجهات فلسطينية معينة وجهات عربية .
الشيخ رائد : أن يتمنى ذلك المؤسسة الإسرائيلية فهذا ما لا نستغربه لأننا لا نتوقع غيره , وهذا حقيقة ما نعيشه من سياسات الضغط والمطاردة التي لا تزال تشنها علينا المؤسسة الإسرائيلية . ولكن أن يكون ذلك من قبل بعض العناوين التي ذكرتها فهذا مستهجن ومؤسف في نفس الوقت, لأن قوة الحركة الإسلامية هي قوة لهذه الجهات وضعفها هو ضعف لكل هذه الجهات .ومن هنا أؤكد أن النجاح الذي تصبو إليه الحركة الإسلامية ليس نجاحا لأفرادها ولمفهومها الحركي أو الحزبي , بل تصبو لنجاح يعم خيره كل مجتمعنا الفلسطيني في الداخل ويعم خيره البعد الفلسطيني والعربي والإسلامي. والذي يراقب دور الحركة ودور مؤسساتها بإنصاف يقف ببساطة على مصداقية ما أقول .وأما عن المستقبل فنحن نؤكد أنه لا يوجد مستقبل خاص للحركة ,بل نؤكد بصراحة أكثر أن مستقبلها هو جزء من مستقبل المجتمع في الداخل الفلسطيني .والمطلوب التمسك في مسيرة هذا المجتمع, مع إدراكنا سلفا لضرورة وجود الاحترام المتبادل ما بين تعدديته السياسية والدينية, وبذلك نضمن تبني إستراتيجية الصمود في وجه أبواق مشؤومة رسمية تدعو إلى ترحيلنا تدريجيا وبسياسة صامتة .
الآن رئيس الحركة الإسلامية سيدخل السجن , كيف سيكون شكل الحركة الإسلامية في هذه الفترة ؟ ثم كانت محنة رهائن الأقصى , وكان الموقف الشعبي والتحركات والمظاهرات بشكل لم يسبق له مثيل , برأيك لماذا لم يتكرر المشهد هذه المرة ؟ هل أصابنا اليأس والإحباط ؟ هل هو نوع من الاستسلام للواقع , أم أن ظروف القضيتين مختلفة ؟
الشيخ رائد : نحن نتعاطى مع كل حدث بما يناسبه , ولا يوجد هنا ضرورة سلفا أن تقوم اليوم بكل الخطوات التي قمنا بها خلال ملف رهائن الأقصى ,مع التأكيد أننا سنقوم بكل خطوة مشروعة نراها لازمة في موقفنا اليوم .
ولذلك بدأنا ملفات اليوم بلغة الاتهام للاحتلال الإسرائيلي ومطالبة عقوبته, وحددنا سلفا هذه العقوبة وهي زوال الاحتلال الإسرائيلي , وسنبقى متمسكين بهذا الخطاب ما قبل وبعد الاستئناف وفي إجراءات الملفات الأربعة القادمة بمسمياتها المعروفة , ولن نندم ولن تنكسر الحركة الإسلامية وستقوى يوما بعد يوم حتى لو غاب شخص فيها اسمه رائد صلاح , فهو شخص من ضمن الحركة الإسلامية , وهي بدورها هي الأصل وهي الفرع , وهي الحاضر والمستقبل .وأنا على يقين أن الحركة الإسلامية بدأت تتبلور يوما بعد يوم من خلال مسيرة مؤسسات وليست مسيرة أشخاص. ويكفي أن أقول مثلا إن الحركة الإسلامية في أم الفحم قدمت حتى الآن 4 شخصيات خلال انتخابات البلدية ولن تقف عند حد التمسك بالشخص الواحد , وهذا يعني وجود ثراء في الحركة لصناعة القيادات بكل أدوارها المطلوبة وهذا يعني أن من الطبيعي أن أحد قياداتها قد يتغيب دوره , ومع غياب الدور ستواصل الحركة مسيرتها أقوى مما كانت عليه مع وجود هذا الشخص زيد أو عمرو.
القاعدة العلمية تقول إن لكل فعل رد فعل مقابل له بالقوة ومساو له في الارتداد . هذا الضغط على فلسطينيي الداخل الذي لم يتوقف للحظة تمكنه من التقاط الأنفاس , وهو ضغط على كل المستويات , هل تتوقع له ردة فعل تساويه بالقوة ؟ هل يمكن أن تحدث انتفاضة في الداخل ؟ أم أننا لا نملك حتى مقومات هذا العمل ؟ أم أن الأمور تسير باتجاه عصيان مدني ؟أم ماذا ؟
الشيخ رائد : في تصوري أن الاحتقان المبرمج الذي تسعى المؤسسة الإسرائيلية إلى زيادة تعميقه في المجتمع الفلسطيني في الداخل الفلسطيني بات ظاهرا للجميع محليا وعالميا, كما بات واضحا للجميع أن تعميق هذا الاحتقان قد ينتج عنه أكثر من احتمال كرد فعل طبيعي. وسلفا أقول : أي رد فعل قد يحدث فالمسؤول الأول والأخير عنه هو المؤسسة الإسرائيلية . فإذا كان هناك حراك شعبي متواصل غير معهود فإن المتسبب بذلك والمسؤول عن ذلك والذي يتحمل تبعة كل هذا الحراك الشعبي الذي قد يحدث هو المؤسسة الإسرائيلية. وإذا ما كان هناك عصيان مدني من أهل مجتمعنا في الداخل الفلسطيني فالذي يتحمل ذلك هو المؤسسة الإسرائيلية , لأن مثل هذه الردود أو غيرها هي ردود المضطر الذي ضاقت عليه الأرض بما رحبت ووصل فيه الاحتقان حتى بلغت الحلقوم , ولذلك نؤكد أن المتهم منذ الآن وفيما بعد هو فقط المؤسسة الإسرائيلية .
هل تظن أن المؤسسة الإسرائيلية تدفعنا بسياساتها دفعا للقيام بعمل يمكنها من توجيه ضربتها إلينا ؟ وإذا كان هذا فهمنا للعبة إن جازت , التسمية فلماذا نمنحها هذه الفرصة ؟
الشيخ رائد : أوافق بحذر على هذا التحليل الذي يقول إن المؤسسة الإسرائيلية تحاول أن تدفعنا إلى مشهد صدام تبني عليه فرض خطوات جديدة في طبيعة تعاملها معنا .ولا استغرب أن تكون سمات الخطوات الجديدة هي ترحيل البعض منا كمقدمة لمخطط ترحيل تدريجي لنا جميعا , ولذلك مرة أخرى أقول : أوافق أننا يجب أن ندرك ذلك سلفا وأن نتعاطى مع الأحداث بفهم عميق وترو رشيد , ولكن يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن الاحتقان إذا ظل يسير في هذا الانحدار المجنون من قبل المؤسسة الإسرائيلية فإن احتمال ظهور حراك شعبي مفاجئ لن يستأذننا ولن يستأذن لجنة المتابعة ولن يستأذن المؤسسة الإسرائيلية . ولنا في تاريخ الشعوب خير مثال على ما أقول .
هل ترى أن هناك أدوات كثيرة لم نستخدمها بعد للضغط على المؤسسة الإسرائيلية لتغيير سياساتها ؟ وما هي هذه الأدوات ؟ أم أن هذه المؤسسة سادرة في غيها , ماضية في تنفيذ إستراتيجية ما , مهما كانت ردود الفعل ومهما كانت الأعمال التي تحدث من جانبنا أو يمكن أن تحدث ؟
الشيخ رائد : ان أهم ما يجب أن نتبناه كواجب وقت فوري ومستقبلي هو المشروع التربوي لمجتمعنا في الداخل الفلسطيني على صعيد أفراده وبيوته وسائر قطاعاته ومركباته . ولذلك نحن في الحركة الإسلامية نعتبر أن المشروع التربوي هو أهم ما يستوجب من وقت وجهد في مسيرة الحركة, وعلى هذا الأساس نعمل . ولكن نحن ندرك أن هذا المشروع لن ينجح إذا ظل محصورا في أبناء الحركة الإسلامية , بل لا بد من توسيع مساحته حتى يشمل كل مكونات مجتمعنا في الداخل . ولذلك طرحنا فيما مضى ورقة "الميثاق الاجتماعي" وطرحنا خلال هذه الأيام وثيقة "المجتمع الآمن" , ولا زلنا ندعو إلى تكثيف أكبر عدد ممكن من المؤسسات التربوية والأهلية , بدءا من مرحلة الروضة حتى المرحلة الجامعية , ولا زلنا أيضا ندعو إلى ضرورة تنشيط كل مؤسسة للأمومة والطفولة والبيت من شأنها أن تقوي من دعائم المشروع التربوي , ولا زلنا نطمع بدور إعلامي راشد ودور مؤسساتي أهلي راشد من قبل على العناوين الكثيرة التي تتعاطى مع هذه القضايا في مسيرة مجتمعنا في الداخل .وأنا على يقين إذا ما أتقنا هذا المشروع سيتحول تلقائيا بالمفهوم الايجابي إلى صخرة تتحطم عليها كل المخططات العلنية والسرية والمكشوفة والمخيفة التي قد تحاول أن تقوم بها المؤسسة الإسرائيلية ضد حاضرنا ومستقبلنا, وسنبقى في مثل هذه المواجهة نحافظ على قيم الممانعة والصمود والتصدي والصبر على ما قد نتعرض له من أذى. وهذا يعني أننا سنحافظ سلفا على الانتصار لأنفسنا ولأولادنا وأطفالنا حاضر ومستقبلا .
الآن وبعد 12 سنة من المداولات أقرت لجنة المتابعة دستورها الأخير ....
هل أنت راض عنه بشكل تام ؟ وهل يحقق للداخل الفلسطيني أماله وتطلعاته ؟ كيف تتصور أداء المتابعة مع دستور كهذا ؟ وأين تقف قضية الانتخابات المباشرة اليوم ؟
الشيخ رائد : إن سألتني عن الرضا المثالي عن هذا الدستور فبطبيعة الحال لست راضيا الرضا الكامل . وأنا على يقين أن الأستاذ محمد زيدان – رئيس لجنة المتابعة ليس راضيا رضا كاملا عن هذا الدستور , ولكن هو مرحلة تقدمنا بها بمستوى أداء يمكننا أن نكون أحسن مما كنا عليه في السابق, ويمكننا أن نخطط خطوات أحسن مما سنكون عليه بعد أشهر وسنوات. ولذلك نحن مطالبون أن نكون من وراء لجنة المتابعة ورئيسها ومركباتها وأن ننضبط مع دستورها الحالي , ولكن كرؤية طموحة أؤكد أن لجنة المتابعة لن تقوم بدورها كما يجب إلا إذا تم انتخابها مباشرة من قبل كل مجتمعنا في الداخل. ويوم أقول هذه رؤية طموحة فليس معنى ذلك أن نتركها للأيام حتى تبلورها لنا , بل نحن مطالبون أن نصنع الظروف المطلوبة لميلاد طبيعي رشيد لهذه الفكرة الطموحة التي لا مناص عنها بنظري .
لجنة المتابعة وقيادات سياسية كثيرة منضوية تحتها تركز في الأساس في خطابها السياسي على الحقوق المدنية وعلى المساواة , وكأن المستقبل كله محصور في هذه المسائل والقضايا. أين نحن من بعدنا الفلسطيني والعربي والإسلامي ؟ وهل بالمساواة وحدها يحيا الإنسان الفلسطيني؟ إلى أين نحن سائرون ؟
الشيخ رائد : أنا على قناعة من خلال مخاطبتي للمتابعة على صعيد رئيسها الأستاذ محمد زيدان وعلى صعيد مركباتها أن الجميع بات يدرك أن الدور المطلوب من لجنة المتابعة لا يرتبط فقط بالسعي المشروع للحصول على الحقوق المدنية , بل هناك حاجة ملحة أن تقوم اللجنة بتحقيق التواصل المشروع مع بعدنا الفلسطيني والعربي والإسلامي والإنساني .
فنحن جزء من هذه الدوائر ولسنا مجموعة عددية نعيش في فضاء فارغ حتى نتجاهل كل هذه الأبعاد وكل تأثيراتها علينا .
سياسة المؤسسة الإسرائيلية يمكن تلخصها بجملة واحدة : حرق كل الجسور.. إلى أين يمكن أن تصل بها هذه السياسة ؟ كيف ترى النهاية لهذا الوضع؟ أم أنه سيستمر إلى ما شاء الله ؟
الشيخ رائد: من خلال تجربة مجتمعنا في الداخل الفلسطيني مع المؤسسة الإسرائيلية بات الجميع منا يدرك أن مخططات هذه المؤسسة للتعامل معنا ليس كل ما أعلن عنه حتى الآن , بل إن ما أعلن عنه حتى الآن هو النسبة القليلة, وأما النسبة الأكبر من هذه المخططات فلا تزال في أدراج المؤسسة الإسرائيلية ولا تزال تتحين الفرص أو تصنيع الفرص لتنفيذها تدريجا .
وأنا على قناعة أن السطر الأخير كما يقال من هذه المخططات المكشوفة والمخيفة في حسابات المؤسسة الإسرائيلية أن تصل في مرحلة قادمة إلى كيان سياسي لا وجود لنا فيه إطلاقا . وأنا لا أبالغ بذلك ولا أقول أن هناك فلتات لسان إسرائيلية تشير إلى ذلك فقط , بل هذا الأمر تحول إلى حديث صريح في الدائرة الرسمية والبحثية الأكاديمية والإعلامية في المجتمع الإسرائيلي. ومن يتابع على سبيل المثال إفرازات مؤتمر هرتسليا وسلسلة خطابات لفني وليبرمان ونتنياهو ومن يدور في فلكهم يجد النماذج الكثيرة الصارخة والواضحة على ما أقول . وهذا يعني أن المؤسسة الإسرائيلية كانت تتعامل معنا على أساس من سياسة الوجود وليس مجرد سياسة الحقوق .
وبناء عليه أؤكد أن كل إمكانيات المؤسسة الإسرائيلية الجاهزة أو القادمة في المستقبل لا يمكن لها أن تحقق مثل هذا المخطط المجنون ضدنا لأننا كما كنا التاريخ سنبقى الحاضر والمستقبل. ولطالما رددنا جملة ولا زلنا نرددها مؤكدين إننا لن نرحل ولن نسمح بأن نذوق على جلودنا وعلى جلود أولادنا وأحفادنا مشهد نكبة فلسطينية جديدة . فإما أن نعيش على أرضنا سعداء أو نموت فيها شهداء ومن لا يعجبه هذا الحق الأبلج فليرحل عنا .
قضية المسجد الأقصى المبارك والقدس المحتلة , على رأس القضايا التي تعالجها الحركة الإسلامية. وقد نجحت سياسة الحركة في إيصال الرسالة إلى كل بيت في العالمين العربي والإسلامي من بيت المواطن البسيط إلى قصور الرئاسة , ولكن يبدو أن تفاصيل هذه الرسالة وقعت على آذان صماء ؟ أين الخطأ ؟
الشيخ رائد : أجزم أن الآذان التي وقعت عليها هذه الرسالة لم تكن كلها صماء بل كان هناك تفاعل من قبل كثير من هذه الآذان مع رسالتنا الداعية إلى نصرة القدس والأقصى المحتلين. ونحن ندرك أن ما ندعو له من طموح نطمع أن يؤديه عالمنا الإسلامي والعربي على صعيده الرسمي والشعبي لم يتحقق حتى الآن بأكمله ,ولكن هناك مؤشرات كثيرة تدعونا إلى التفاؤل واليقين والتبشير أن القدس والأقصى المحتلين ليسا وحيدتن ولهما الأنصار بالملايين على الصعيد الفلسطيني والعربي والإسلامي ,ولن يرضى هؤلاء الأنصار بأقل من زوال الاحتلال الإسرائيلي عنهما إن عاجلا أو آجلا . وهذا ما يجب أن تفهمه المؤسسة الإسرائيلية, وهذا ما يجب أن يدركه صناع القرار فيها . إنهم اليوم يعلنون حربا مكشوفة على العالم الإسلامي والعربي, وإذا ما تطورت هذه الحرب الى حرب دينية على صعيد العالم الإسلامي والعربي فالمتسبب فيها ومن يتحمل تبعاتها سلفا هو فقط المؤسسة الإسرائيلية .
الاحتلال يسعى سعيا حثيثا لتحقيق حلمه الأسطوري في هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم ...
تعال لنرتب الأوراق من بدايتها : 62 عاما من الطحن .... طحن الماكينة العسكرية الاسرائيلية وطحن الكلام على الجانب الآخر وهو كلام خادع أدخل في أذهان الشعوب الإسلامية أن الصراع هو سياسي وهو صراع جغرافيا وحدود ... لكن الواقع يقول عكس ذلك تماما . هل نحن بهذا الحجم من الغباء أم ماذا ؟
دعنا نبدأ من المفهوم التوراتي للقضية ... ثم الفهم الرسمي العربي والإسلامي ثم الفهم الإسلامي الحقيقي لهذا الصراع ؟
الشيخ رائد : أنا اجتهدت خلال سنوات ماضية أن أتواصل مع الكثيرين من أمتنا الإسلامية وعالمنا العربي في دائرة التواصل المشروع والعلني . واجتهدت أن استثمر هذا التواصل في أحد أبعاده لنصرة القدس والأقصى .
وأنا أجزم أن الكثيرين من أمتنا الإسلامية وعالمنا العربي باتوا يفهمون الحقيقة جلية كما هي ؛ أن الاحتلال الإسرائيلي يعجل في هذه الأيام تحقيق طموحه الأسود الذي لن يتحقق إن شاء الله , وهو بناء هيكل أسطوري على حساب المسجد الأقصى المبارك , مع سعيه المجنون لتهويد القدس المباركة . وهذا يعني أن الكثيرين من عالمنا الإسلامي والعربي باتوا يفهمون أن أطماع الاحتلال ليست أطماع أرض واقتصاد وإنما هو يطمع بفرض سياسة احتلالية تقوم على ادعاء ديني كذاب على كل فلسطين التاريخية , بما في ذلك القدس والأقصى المحتلين . بل وأجزم أن الكثيرين من عالما الإسلامي باتوا يدركون أن خطر الاحتلال لا يتوقف عند حدود فلسطين التاريخية, بل بات يهدد كل مسلم وعربي وفلسطيني في كل مكان , وكل ذلك يجعلني أؤكد مرة بعد مرة أن فرصة إحداث انقلاب ايجابي وضروري في الخطاب الإسلامي العربي تجاه القدس أصبحت مواتية ولها أرضية تجعلنا نتفاءل مطالبين بخطاب جديد يؤكد أن قضية القدس والأقصى هي قضية إسلامية عربية فلسطينية, ولن يسعد أي مسلم وأي فلسطيني بمعنى الاستقلال في دولته أو في عاصمته إلا إذا زال الاحتلال الإسرائيلي عن القدس والأقصى المحتلين .
نجحت المؤسسة الإسرائيلية منذ عام 77 بالتحديد في تحقيق هدفين : الأول : زرع مفهوم مموه وخاطئ لطبيعة الصراع. وقد ساعدها في ذلك الدعم الأمريكي والغربي والظروف الدولية , والثاني : تحييد دول عربية عن ساحة المواجهة العسكرية ؛ مصر , الأردن , , دول الخليج ومنظمة التحرير الفلسطينية .
وفجأة ظهرت قوى أخرى ربما لم تكن بالحسبان : إيران , حزب الله , حركة حماس , وسوريا التي أفلتت حتى الآن من القبضة الأمريكية وأخيرا تركيا ... كيف تقرأ المستقبل إزاء هذه الخارطة ؟
الشيخ رائد : أنا متفائل جدا وأجزم أن المستقبل القادم سيشهد فشلا ذريعا للمشروع الصهيوني والاستعمار الأمريكي وأدوات هذا الاستعمار .
ولا أقول إن هذا التفاؤل قد يتحقق اليوم أو غدا أو بعد أشهر , بل أجزم أننا مؤقتا أمام مرحلة تحمل امتحانات صعبة جدا, لأنها لا تزال مصحوبة باستعلاء المشروع الصهيوني وامتداد الاستعمار الأمريكي والتفاف أدوات كثيرة حول هذا الاستعمار المشؤوم , ولكن هي مرحلة قادمة ومؤقتة وزائلة فيما بعد . ولن يكون ما بعدها إلا الخير إن شاء الله تعالى لعالمنا الإسلامي والعربي ولشعبنا الفلسطيني بل لكل الإنسانية جمعاء . يملأ الأرض في هذه الأيام وأرهقها ما فشا فيها من ظلم وجور , وآن الأوان للإنسانية أن تتمتع في لحظات قادمة بالسعادة الحقيقية والقسط والعدل الحقيقيين .
نريد أن نتحدث عن الدور التركي .. هل ترى أن هذا الدور يشكل مفاجأة للجميع ؟ أم أنه تطور طبيعي لدور تاريخي , توقف عام 1924 والآن تعاد الأمور إلى نصابها ؟
الشيخ رائد : أنا شخصيا لا أعتبر أنه يشكل مفاجأة لي , مع تأكيدي أنني أفتخر بهذا الدور وأطمع له بتأثير أقوى . وأقول ذلك لأنني أنظر إلى الدور التركي على اعتبار أنه عودة إلى طبيعته الأساس والتي قام عليها وحكم من خلالها أكبر مساحة من الأرض على مدار 500 سنة , ولا يزال الشعب التركي يحمل نفسية تلك الفترة التي عرفت باسم الخلافة العثمانية العلية . ولا أبالغ إذا قلت إنني بحمد الله أجتهد أن يكون لي التواصل مع الأهل في تركيا على صعيد أفراد ومؤسسات ومراكز أبحاث وقيادات دينية وسياسية . وأجزم من خلال اختلاطي معهم أنهم يحبوننا أكثر من حب بعضنا لبعض وأكثر من حب بعض العالم العربي لنا , وهذا ما يدعو إلى التقدير والإعجاب وتأكيد نظرة التفاؤل إلى المستقبل القادم ولو بعد حين .
نريد أن توجه مجموعة من الرسائل المختصرة إلى عدة جهات بالاسم ؟
المؤسسة الإسرائيلية , مصر , السلطة الفلسطينية , الأردن , السعودية , الولايات المتحدة , , فلسطينيي الداخل , أبناء الحركة الإسلامية ؟
الشيخ رائد : المؤسسة الإسرائيلية - يؤسفني أن أقول إنه بات مكشوفا لكل عاقل أن المؤسسة الإسرائيلية تقوم اليوم من حيث تدري أولا تدري بالتضحية بالمجتمع الإسرائيلي على مذبح شهواتها التي تجمع بين الغرور والجهل .
مصر - مصر هي أعمق تاريخيا من دور أي شخص فيها وأي حزب فيها وأية قيادة سياسية أو دينية فيها , وستظل كما عرفناها عمقا إسلاميا عربيا يحمل كل الخير والبركة ويضع حدا فاصلا لكل المتطاولين على الوطن الإسلامي والعربي , وستبقى خير نصير لشعبنا الفلسطيني .
السلطة الفلسطينية - آن الأوان ان تعلم السلطة الفلسطينية أن قوتها تنبع أولا وأخيرا من الشعب الفلسطيني , وليس مصدر قوتها في يوم من الأيام طبيعة العلاقة مع طرف أمريكي أو طرف إسرائيلي .
الأردن - هي امتداد أعمقنا العربي والإسلامي وهي الظهير والسند لنا ولقضية شعبنا الفلسطيني ولقضية القدس والأقصى المحتلين, ولن ترضى يوما أن يفرض عليها بعض المجانين أن تكون وطنا بديلا للشعب الفلسطيني .
السعودية : هي أرض الحرمين وبركتها تنبع قبل كل شيء من ميلاد رسالات لأنبياء فيها وخاتمهم الرسول صلى الله عليه وسلم, ولا تزال هذه البركة منزرعة فيها ولن تزول وستبقى تحمل القابلية أن تنشر عدلا وقسطا عالميا نابعا من ميلاد رسالة خاتم الأنبياء والمرسلين فيها .
الولايات المتحدة - نحن كأصحاب انتماء إسلامي عربي فلسطيني لا نرضى لأنفسنا أن نكره الشعب الأمريكي أو أن نعاديه , بل نشفق عليه وعلى معاناته بسبب حكومات الشر التي حكمته قبل ذلك وقادته إلى مستنقع فيتنام ثم مستنقع العراق وأفغانستان والصومال والسودان , وقبل ذلك دفعته إلى مستنقع فلسطين , وآن للشعب الأمريكي أن يستيقظ .
الداخل الفلسطيني : هم الجذور المنزرعة في أرضنا وبيوتنا ومقدساتنا . ووجودهم يعني قابلية هذه الجذور أن تنمو في الحاضر والمستقبل وأن تحفظ حق عودة كل اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم التي أخرجوا منها .
أبناء الحركة الإسلامية - ليعلموا بعد توكلهم على الله , أنهم جزء من مجتمعنا في الداخل وعليهم أن يتقنوا فن التعامل الراشد مع مكونات مجتمعنا في الداخل والحفاظ على علاقة راشدة مع أحزابه وقياداته وتعدديته الدينية والسياسية , وعليهم أن يعلموا أنهم جزء لا يتجزأ من شعب فلسطيني وعالم عربي وأمة إسلامية وحاضر إنساني , وهذا يعني أنهم أصحاب رسالة عالمية .
*آخر مشاريع الحركة الإسلامية هو مشروع " المجتمع الآمن " الذي بدأ قبل أكثر من أسبوعين في محاولة لمواجهة العنف الذي يضرب مجتمعنا بشكل غير مسبوق . في رأيك إلى أي مدى يمكن لمشروع هذا أن يعالج هذه القضية الخطيرة ؟
الشيخ رائد : أؤكد سلفا أن الحركة الإسلامية لم تستيقظ فجأة لتواجه العنف, بل سعت الحركة منذ بدايات تكوينها لتبني مشروع البناء والتربية الذي يعني في نهاية الأمر بناء المجتمع الآمن على صعيد الأفراد والمؤسسات والعلاقات ما بين مكونات هذا المجتمع. وخلال سير الحركة في هذا الاتجاه بدأت تدرك كغيرها أن العنف المستشري حاليا بدأ يهدد مسيرة مجتمعنا في الداخل الفلسطيني , لذلك أدركت الحركة أن واجب الوقت يفرض عليها أن تجمع ما بين مشروع البناء والتربية ومشروع مواجهة العنف تحت عنوان
" مجتمع آمن ", وباتت الحركة اليوم تدرك أنها يوم أن تجمع بين الأمرين فلن يكون ذلك لمرة واحدة ولن يكون على صورة مؤتمر صحفي فقط , ولن يكون من خلال مهرجان أو مسيرة أو مظاهرة فقط , بل أعددنا مخططا تفصيليا لمواجهة العنف وشكلنا هيئة في الحركة الإسلامية من قياداتها يقف على رأسها الأخ مروان جبارة ويحيط به الكثير من الشخصيات المختلفة رجالا ونساء لمؤازرته في هذا الدور الثقيل جدا , مع تأكيدنا أننا نحن - كل الحركة - من ورائهم. ولذلك أقول سلفا - وأسأل الله أن يوفقنا - إن ستقوم بحراك واسع ومتواصل على امتداد كل مجتمعنا في الداخل الفلسطيني لتنفيذ هذا المخطط التفصيلي طامعين أن ينقلنا إلى بر الأمن والتفاؤل والاطمئنان .