كان هنري جوردون سيلفردج، مؤسس متجر سيلفردجز لندن، هو الذي قال «الزبون
دائماً على حق». ولا يمثل ذلك أعلى الاقتباسات إمتاعاً على الصفحة ذات
العلاقة من قاموس بنجوين الخاص باقتباسات القرن الـ 20، حيث إن ذلك يعود
إلى رجل الإعلانات الفرنسي، جاك سيجويلا الذي كتب كتاباً بعنوان «لا تخبروا
والدتي أنني أعمل في الإعلان، فهي تظن أنني عازف بيانو في ماخور».
غير أن الاقتباس الخاص بسلفردج هو الذي أصبح عقيدة في قطاع الأعمال. فهل
هو صحيح؟ وهل الزبون دائماً على حق؟ لقد أثار هذا السؤال نقاشاً على صفحات
هذه الصحيفة، حيث حض عليه تقريرنا الحديث بأن من يتوقع أن يصبحوا سائقين
لسيارات الأجرة السوداء في لندن يفترض أن يشهدوا جلسات تدريبية إلزامية في
خدمة الزبائن، كما أن عليهم اجتياز اختبار «المعرفة» أي خريطة التصميم
الرئيسة لمدينة لندن. وسوف تركز الجلسات التدريبية على الترحيب بالركاب،
والتعامل مع المعوقين منهم، ومعرفة «متى يجب التوقف عن الكلام» في عمل
اشتهر بالمسرفين في التحدث.
حثت هذه الأخبار على كتابة بريت سلف من مدينة بيرمنجهام في ولاية
ألاباما الأمريكية، لرسالة حادة «لقد ظل الناس لعدة أجيال يتعلمون أن
الزبون دائماً على حق. غير أن هذا القول خطأ على الدوام. ومع ذلك، فإن
أقوالاً بأن الزبون هو الملك، وهو رقم واحد، وهو الزعيم، وهو كما في تعبيري
المفضل، لماذا نواصل في هذا المقال نشر مجساتهم من خلال العقلية التافهة
للإدارة في صناعة خدماتنا الحديثة على النطاق العالمي»؟
هنالك قادة أعمال يوافقون على ذلك، حيث تضمنت مذكرات جوردون بيثيون الذي
سبق له أن كان الرئيس التنفيذي لشركة خطوط كونتيننتال الجوية، فصلاً
بعنوان «الزبون ليس على حق دائماً». ومضى مايكل أوليري، رئيس شركة الطيران
الإيرلندية متدنية التكاليف، «ريان إير»، إلى أبعد من ذلك، حين قال لـ
«فاينانشيال تايمز» أخيراً «إن الزبون عادة على خطأ».
وربما تعتقد أن زبائن هاتين الشركتين تخلوا عنهما لصالح شركات طيران
أكثر تعاطفاً، غير أنهم لم يفعلوا ذلك، إذ إن بيثيون، وأوليري من أنجح
الرؤساء التنفيذيين في جيلهما. وقد عمل بيثيون الذي كان عنوان كتابه «من
الأسوأ إلى الأول»، على إنقاذ «كونتيننتال» من سقطة كان يمكن أن تكون
قاضية. وأما أوليري، فيقود واحدة من أنجح شركات الطيران في تاريخ هذه
الصناعة.
هل يعني ذلك أن الأمر لا يقتصر على تمكنك من النجاة والفوز بمعاملة
زبائنك بصورة سيئة، بل إن بالإمكان الانتعاش نتيجة لذلك؟ لا، حيث إننا
بحاجة إلى أن نحفر إلى أعماق أبعد في ذلك.
من المؤكد أن شؤون خدمات الزبائن كانت تقلق بيثيون، وبالذات سجل
«كونتيننتال» المرعب بخصوص انضباط المواعيد، وقال للموظفين إنه في كل مرة
تكون فيها «كونتيننتال» بين أفضل خمس شركات طيران أمريكية من حيث ضبط
المواعيد، فإن كلاً منهم سوف يتلقى علاوة نقدية قدرها 65 دولاراً.
لم يكن الأمر يتمثل في أن بيثيون لم يفهم أهمية سعادة الزبائن، بل إنه
عرف أن الموظفين الملتزمين فقط هم الذين يقدمون الخدمة التي تحافظ على
سعادة الزبائن. وإذا حدث، رغم كل الجهود، أن فشلت الشركة في الأداء، وأصبح
أحد الزبائن عدوانياً تجاه الموظف، فإن بيثيون كان يقف على الدوام إلى جانب
الموظف. فلماذا كان يفعل ذلك؟ لأنه كان يعتقد أن الموظفين سوف يخدمون
الزبائن أكثر إذا اعتقدوا أن مديرهم يقف في صفهم.
أما أوليري، فهو أشد تعقيداً، حيث يبدو أنه يمضي إلى درجة استعداء
الزبائن، حتى إنه هدد في إحدى المناسبات بأن يجعلهم يدفعون ثمن خدمات
استخدام المراحيض. وأبلغ هذه الصحيفة أنه قام بكل ذلك من أجل الدعاية، حيث
لا تنفق هذه الشركة سوى القليل على الإعلانات.
يقدم أوليري لزبائنه شيئاً واحداً هو تذاكر الطيران الرخيصة. وهذا هو
عنصر الجذب الرئيس لهذه الشركة، بناءً على توجه أوليري المندفع للغاية
باتجاه تخفيض التكاليف. ومن خلال إخبار أوليري زبائنه بمدى قلة اهتمامه
بهم، فإنه يشجعهم على التركيز على السعر فقط، كما أنه يقلل من توقعاتهم
بتلقي أي شيء آخر، وبالتالي فإنه حين تبدو الخدمة في الغالب مريحة، فإن ذلك
يبدو بمثابة علاوة إضافية. ويعرف أوليري أنه في اللحظة التي تصبح فيها
أسعار تذاكر شركة ريان إير على درجة ارتفاع أسعار الشركات التقليدية
الأخرى، فإن الزبائن سوف يتخلون عنها.
إنك بحاجة إلى معرفة من هم زبائنك، وما الذي تقدمه لهم؟ وإذا كان الأمر
يتعلق بتخفيض الأسعار بشدة، فإنك بحاجة إلى أن تكون أرخص من الجميع. وأما
إذا تعلق الأمر بمتجر شامل للبضائع المبهجة، فإن مثل هذه البضائع المبهجة
هي ما ينبغي عليك تقديمه.
ماذا عن سائقي سيارات الأجرة السوداء في لندن؟ لم يتوجه زبائهم إليهم
أبداً لأنهم يهتمون بآرائهم، بل إنهم يتوجهون إليهم لأنهم مرخصون، ولأنهم
آمنون، ولأنهم يعرفون طريقهم. إن المشكلة تتمثل في أن مزودين آخرين لهذه
الخدمة من سائقي سيارات النقل الصغيرة، يمكنهم الحصول في الوقت الراهن على
تراخيص، كما أن أجهزة تحديد المواقع بواسطة الأقمار الصناعية جعلت أهمية
خريطة «المعرفة» الجغرافية أقل أهمية. ولست متأكداً من أن دروس تدريب خدمات
الزبائن سوف تحل المشكلة. وعلى سائقي سيارات الأجرة السوداء التفكير بما
يمكنهم أن يقدموه من أمور إضافية، كأن يكونوا موجودين حين يغادر الناس
المسارح، وربما أكثر من ذلك أن يصل بهم الأمر إلى تخفيض الأسعار.
وربما لا يكون الزبائن دائماً على حق، غير أن من المؤكد أنهم مهمون. وما
لم تتمكن من أن تقدم لهم ما لا يستطيع منافسوك تقديمه، فإنك تصبح خارج
إطار قطاع الأعمال.