كسوف الشمس وحياتنا على الأرض
الحجم الظاهري للقمر في كبد السماء يساوي الحجم الظاهري للشمس، على الرغم من أن الشمس أكبر من القمر بـ (400) ضعف. فما هو السبب؟. والجواب هو أن الشمس تبعد عن الأرض أكبر بـ (400) مرة من بعد القمر عنها. هذه الحقائق هي التي جعلت الكسوف الكلي للشمس والخسوف الكلي للقمر ممكنين. وقد تساءل العلماء طويلاً: هل هذا محض صدفة؟
أحد العلماء من جامعة واشنطن في سياتل في الولايات المتحدة الأمريكية وضع حديثاً نظرية تفسيرية لهذا. إنه يقول هناك ارتباط عجيب بين الشروط المطلوبة لحدوث الكسوف الكلي وبين وجودنا على الأرض. فما هو المقصود بهذه النظرية؟
الحجم الظاهري للقمر هو في الحقيقة أكبر بقليل من الحجم الظاهري للشمس، وهذا ضروري لحصول الكسوف الكلي بحيث أن قرص القمر يغطي كامل قرص الشمس، فيحصل الظلام. ومن المعروف أن هذا يحصل عندما يتوسط القمر بين الأرض والشمس، وهذا لا يحصل إلا عندما يكون القمر محاقاً. وعلى الرغم من أن الكواكب الأخرى في مجموعتنا الشمسية تملك (64) قمراً غير قمرنا فإن الكسوف الكلي لا يحصل في تلك الكواكب، وذلك لأنه ليس هناك تناسب بين أحجام تلك الأقمار وحجم الشمس من ناحية، وبُعد تلك الأقمار عن كواكبها وبعد الشمس عنها من ناحية ثانية. فهل نحن محظوظون بشكل خاص؟
وهل حصل الكسوف الكلي منذ أن وجدت الأرض والقمر والشمس؟ يجيب هذا العالم بأن الكسوف الكلي بدأ منذ حوالي (150) مليون سنة فقط، وسيستمر كذلك إلى نحو (150) مليون سنة أخرى. وهذا يمثل حوالي (5) بالمائة فقط من العمر الحالي للأرض. وسبب ذلك – حسب نظريته – هو أن القمر قد تشكل من المواد المنصهرة الناتجة من انفجار كبير على الأرض خلال ارتطام جسم كبير بها منذ أكثر من (4) مليارات سنة مضت. ويتابع بأن القمر عندما تشكل كان قريباً من الأرض، وخلال هذه المليارات من السنين وصل إلى مداره الحالي بحيث أصبح يغطي قرص الشمس منذ المدة المذكورة أعلاه، وسيستمر في هذا مادام بعده عن الأرض يؤهله لأن يغطي قرص الشمس.
وحيث أن بُعد الأرض عن الشمس هو أمر مهم من أجل بقاء الحياة على الأرض، بحيث إذا قلت المسافة بين الشمس والأرض أصبحت الحياة عليها غير ممكنة بسبب الحر الشديد، وإذا نقصت المسافة أصبحت الحياة أيضاً غير ممكنة بسبب البرد الشديد، وحيث أن قمرنا الكبير نسبياً يجذب الأرض بقوة معينة مما يمنعها من التذبذب فإنه يحافظ على بعدها عن الشمس، وبالتالي فإن الحياة تبقى ممكنة. أما إذا تغير بعد القمر عن الأرض فإنه سيحصل تغير في قوة الجذب هذه وتتغير الظروف على الأرض مما قد لا تكون مناسبة للحياة.
ويتابع العالم نظريته فيقول: إذا قارنا بين الأرقام السابقة المتعلقة بحياة القمر، وبين الأرقام التي تتكلم عن وجود الحياة على سطح الأرض فإننا نجد تشابهاً كبيراً بينهما مما يدعونا إلى الاستنتاج بأن هناك علاقة بين الكسوف الكلي وبين وجودنا على سطح الأرض في الفترة الكونية التي يحصل فيها الكسوف الكلي للشمس.
غير أن هناك من العلماء مَن أخذ هذه النظرية بحذر. ومنهم أحد علماء الفلك في جامعة ساسكس في بريطانيا حيث قال إن هذه الأرقام بحاجة إلى التأكد منها قبل المضي قدماً في هذا الاتجاه. فعندما يكون الكلام عن الأرقام الفلكية بملايين أو مليارات السنين فإن الأمر ليس سهلاً، إذ أن الخطأ في التقدير قد يؤدي إلى نتائج غير صحيحة. وكثيراً ما سادت نظريات في عصور مختلفة ثم تبين خطؤها بعد ذلك. وهذا لا يمنع طبعاً من أن يعمل العلماء من أجل الوصول إلى الحقيقة، غير أن مما يحذره بعضهم من أن تكون الاستنتاجات السريعة قائمة على مقدمات غير رصينة مما يؤدي إلى أن تسود نظريات غير مؤكدة. وعلى أي حال فإنه مما تعلمناه منذ الصغر أن النظرية لا تصبح مسلَّمة حتى يمكن التحقق منها وإثباتها وبرهانها.